بقلم جودة عبد الصادق إبراهيم
رغم النجاحات العديدة التي تحسب لجهاز المخابرات العامة منذ تأسيسه في عام 1957 علي يد الراحل صلاح نصر وأبرزها قضية «الحفار» الذي تم تدميره في ساحل العاج قبيل وصوله لإسرائيل لسرقة بترول سيناء إبان احتلالها في عام 1967 وحتي 1973، وقضية رأفت الهجان الشهيرة التي جسدها باقتدار الفنان محمود عبدالعزيز في المسلسل الشهير، وقضية الجاسوسة «هبة سليم» التي قام السادات بإعدامها قبل وساطة كسينجر للإفراج عنها لتجسسها لصالح الموساد الإسرائيلي، وغيرها الكثير من القضايا، إلا أن هناك قضايا أثارت جدلاً ولم تحسم بعد، مثل عملية الكربون الأسود.
هذه واحدة من الملفات المهمة للمخابرات المصرية، بطلها رجل مصري أصيل تمكن من دخول أخطر وأهم المؤسسات الاستراتيجية الأمريكية، وكان رقمًا صعبًا فى تطوير مشروع مصرى عراقى أرجنتينى؛ لصناعة صواريخ ‘الكوندور’ الباليستية، الأمر الذى أعتبر صفعة قاسية للاستخبارات الأمريكية، التى تمت العملية بنجاح من وراء ظهرها ، وهى عملية كان من شأنها تغيير موازين القوى فى المنطقة لعقود طويلة
هذا البطل المصري هو عالم الصواريخ المصري المسجون في أمريكا الدكتور مهندس /عبد القادر حلمي ، الذي وشي به زميله الدكتور محمد مرسي العياط رئيس مصر الأسبق عندما كان مقيما في الولايات المتحدة الأمريكية!!… لاتندهش فقدر مصر منذ السبعينات أن يحكمها دائما عملاء الأمريكان !! نعم أيها السادة ، فمحمد مرسى متهم ” بالعمالة ” لصالح المخابرات الأمريكية حيث قام بالوشاية بالعالم المصري المحبوس حاليًا في السجون الأمريكية د/عبد القادر حلمي في عملية أصبحت شهيرة تسمى” الكربون الاسود”….ولنتابع القصة من بدايتها :
بدأت أحداث القصة في العاشر من فبراير عام 1948 ، عندما ولد طفل بقريةالأشمونين، مركز ملوى، محافظة المنيا، الطفل عبد القادر حلمي ، والذي عاش حياة عادية جدا مثل أبناء نفس القرية، لكنه كان صاحب مؤهلات مختلفة، أهلته فى النهاية ليصبححديث العالم فى وقت من الأوقات .تخرج حلمي فى الكلية الفنية العسكرية في عام 1970 بقسم الهندسة الكيميائية، شعبة الدفاع الصاروخى، وكان ترتيبه على دفعته الأول بامتياز مع مرتبة الشرف ، وحصل بعدها على درجتى الماجستير والدكتوراه من الأكاديميةالعسكرية السوفيتية، فى تطوير أنظمة الدفع الصاروخى، ومكونات الصواريخ الباليستية.
في هذه الأوقات كانت مصر تفتقر لإمتلاك تكنولوجيا وأسلحة الصواريخ الباليستية وكان أقصى مدي صاروخي تمتلكه مصر هو 350 كيلومتر!!..من هنا بدأت العملية حيث تم اعفاؤه من الخدمة العسكرية وإلحاقه بمصنع ” قــادر” العسكري لثلاث سنوات قبل أن يتم إلحاقه للعمل كخبير صواريخ بكندا في أواخر السبعينات حيث عمل بها كخبير صواريخ، وبعدهابفترة وجيزة، لم تتجاوز الستة أشهر، انتقل للعمل فى الشركات الأمريكية المتخصصة،فى إنتاج أنظمة الدفاع الصاروخى، في نفس التوقيت الذي كان فيه اللواء أبو غزالة وقتئذ يشغل منصب مدير عام المخابرات الحربية ، وهو الذي قام بزرعه في شركة تيليدين كوربوريشين وهي الشركة المتخصصة في انتاج أنظمة الدفع الصاروخي لصالح وزارة الدفاع الأمريكية وانتقل بعدها للاستقرارفي ولاية كاليفورنيا !!.
منذ مغادرة مصر في السبعينات وحتي 1984 ظل الدكتور عبد القادر حلمي عميلا نائما ساعده تمتعه بالذكاء الفذ وإتقانه للعمل علي تعديل الخلل في منظومة الدفع الصاروخي باستخدام الوقود الصلب لمكوك الفضاء ديسكفري حتي لايتعرض للإنفجار مثل مكوك الفضاء تشالنجر في عام 1982 مما لفت النظر اليه وعزز من مكانته فحصل علي تصريح أمني من المستوي (A) سمح له بالولوج إلى قواعد البيانات ومعامل إختبارات الدفع النفاث فيجميع أنحاء الولايات المتحدة دون أي قيود ، وهو تصريح أمني سري من الحكومة الأمريكية يسمح لحامله بالأطلاع على كافة البرامج الدفاعية الأمريكية العالية السرية دون أية قيود، وهذا التصريح الذي لا يمتلكه سوى عدد قليل جدا من العلماء الأمريكيين جاء أيضا تقديرا لدوره في تصنيع وتطوير قنابل الدفع الغازي المعتمدة علي الوقود المعروفة باسم ( Fuel/airexplosive bomb ) (FAE BOMB) والتي تنتمي لعائلة القنابل الارتجاجية concussion bombs وهي بمثابة قنابل نووية تكتيكية دون تأُثير اشعاعي يصل تأُثير القنبلة ذات الرأٍس الألف رطل منها إلى درجة إحداث دمار كلي ومحو لأي مظهر من مظاهر الحياةفي محيط 50 متر من مركز الإنفجار ، كما يمكنها إحداث دمار جزئي في محيط 850 متر من مركز الإنفجار (لاحقا طورها الجيش المصري لتصبح قنابل محمولة علي صواريخ تكتيكية بعيدة المدى تصل إلى 1350 كيلومتر بعد أن سرب الدكتور عبد القادر تصميماتها إلى القوات المسلحة المصرية)
ولنواصل التعرف على تفاصيل تلك العمليةالخطيرة والمعقدة عن طريق بطل قصتنا الدكتور مهندس عبد القادر حلمي ، والذي صدرت الأوامر بتنشيطه ليبدأ العمل حسب الخطة الموضوعة مسبقا.تحت إشراف المشير عبدالحليم ابو غزالة والذي كان قد خطط لإقامةوتنفيذ أحد أهم وأخطر المشروعات العسكرية طموحاً لانتاج الصواريخ الباليستية في أوائل الثمانينيات بالتحالف مع الأرجنتين والعراق عرف باسم مشروع ” الكوندور”يقتصر فيه دور العراق على تمويل أبحاث الصاروخ الباليستي “كوندور” علىأن تقوم الارجنتين بتوفير الخبرة التكنولوجية اللازمة ، بينما تقوم مصر بالدور الاستخباراتي والمعلوماتى واللوجيستي في مجال تطوير تلك الأبحاث ،وقد تمثلت العملية فى شحن 470 رطلآ من مادة الكربون الأسود الى مصر والحصول على خريطة تطوير قنابل الدفع الغازى للصواريخ الأمريكية ،وبناءا عليه تم تشكيل فريق مخابراتي على أعلى مستوى بقيادة اللواء(العقيد وقتها ) حسام خيرت (وهو الأسم الحركى أما الاسم الحقيقي فهو حسام الدين خير الله ) والذي كان وقتها يشغل منصب الملحق العسكري المصري في سالزبورج -النمسا- والذي قام بإنشاء وادارة شبكة استخباراتية معقدة للدعم اللوجستي انتشرت فروعها في جميع أنحاء أوروبا ، وأدارت العديد من المصانع والشركات الأجنبية التي لاتمت بصلة لأي اسم مصر، ويملكها أشخاص غير مصريين؛ وذلك لتوفير العتاد وتصنيع قطع الغيار والقطع المطلوبة للدعم التسليحي الفائق للجيشين المصري والعراقيوالتي كان من ضمنها تطوير وتصنيع المدفع الأسطوري العملاق (بـابـل) الذي كان مدي قذيفته ألف كيلومتر وقادر حتى على إصطياد أقمار التجسس الصناعية منخفضةالمدار .
نعود مرة أخرى للمشروع الأساسي والخاص بالصاروخ الباليستي “كوندور” لنعرف أنه فى الوقت الذى وصلت فيه مرحلة التصنيع إلىذروتها، توقف المشروع نظرا لاحتياجه إلى برمجيات حساسة وغاية فى السرية، تختصبتوجيه الصواريخ وضبط اتجاهاتها، ووقتها بالتحديد اضطر عبدالقادر حلمى والفريقحسام خيرت، إلى التعاون مع اللواء عبدالرحيم الجوهرى، مدير مكتب تطوير الأسلحة الباليستيةبوزارة الدفاع، والمسئول الأول عن عملية الكوندور ، وهنا أستطاع الدكتور عبدالقادر القيام بتجنيد عالم أمريكي آخر هو الدكتور “جيمس هوفمان” و الذيسهل لهم دخول مركز قيادة متقدم في هانتسفيل – الولايات المتحدة الامريكية تابع للقيادة المتقدمة الإستراتيجية والمسؤول عن تطوير برمجيات توجية أنظمة باتريوتصائدة الصواريخ الباليستية !!..كان هذا المركز يتعاون مع مؤسسة تقنية أخرى هي شركة “كولمان” ويشرف عليها عالم برمجيات أمريكي آخر هو البروفسيور “كيث سميث “..والذي تم تجنيده هو الآخر في أبريل 1986 لصالح شبكة اللواء خيرت والدكتور عبد القادر حلمى مما سهل لهم الحصول علي نسخة كاملة ونهائية منبرامج منظومة توجيه الصواريخ الباليستية والأنظمة المضادة لها والناتجة عن خلاصة برامج تطوير عمرها بناهز خمسين عاما كاملة من برنامج حرب النجوم الأمريكي الشهير ، وبذلك تم اختراق تصميمات شبكة الدفاع الصاروخي الأولى للولايات المتحدة بالكامل…وقد إستطاع اللواء خيرت والدكتور عبد القادرحلمى إتمام المهمة بنجاح
بداية الأزمة :
فى الوقت الذى استطاع فيه الفريق خير الله والدكتور عبدالقادر، بالتعاون مع قسم الدعم الفنى بالمخابرات العامة بالقيام بهندسة عكسية لمنظومة الرصد والتوجيه، وبرامجها الخاصة، اكتشفوا أن منظومة باتريوت تستطيع رؤية صاروخ الكوندور واصطياده فى الجو، وتأزم المشروع أمامهم كثيرا..و لحل هذه المشكلة أكتشف الدكتور عبد القادر حلمي وجود أبحاث في مركز آخر تابع لقيادة سلاح الجو الأمريكي لصناعة سبيكة من الكربون الأسود تقوم بتعمية أنظمة الرادار وتخفي أي بصمة رادارية له لتحوّل الصاروخ إلى شبح في الفضاء بما يجعل رصده مستحيلً حتى على أكثر الردارات تطورًا ، كما أنها تقلل إحتكاكرأس الصاروخ بالهواء بنسبة 20%وبالتالي ترفع مداه القتالي ، وقدراته التدميرية….وهنا بدأت عملية محمومة للحصول علي هذه المادة وشحنها إلى معامل الأبحاث والتطوير هي ونوع خاص من الصاج المعالج الذي يتم طلاءه بها …كانت الكميات التي أشرف عبدالقادرحلمي علي الإستيلاء عليها بالشراء أو بأساليب أخرى ملتوية مهولة قد تجاوزت 8 أطنان وكان يتم شحنها في صناديق دبلوماسية بالتعاون مع السفارة المصرية في واشنطن .
فى هذا التوقيت كان محمد مرسى صديقاًللعالم المصرى عبد القادر حلمي ويعيش معه فى نفس الولاية “ساوث كارولينا” ويعمل فى برنامج حماية محركات مركبات الفضاء فى وكالة “ناسا” , (والذى لا يعلمه الكثيريين أن وكالة “ناسا” لاتسمح لغير الأمريكيين بالدخول اليها فما بالكم بالعمل فيها وإنسمحت فإنه يكون بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية نظرآ لأهمية “ناسا” ولحمايتها من الإختراق المخابراتى من دول مثل روسيا والصين وغيرهما )…. وقد حصل محمد مرسى على بطاقة الرقم القومى الأمريكى وأقسم يمين الولاء للولايات المتحدة الأمريكية عام 1983قبل أن يتم إعتماده لدخول “ناسا . وبحكم المواطنة وبحكم التخصص وبحكم زمالة العمل فقد تعرف مرسي على عبد القادر وتزاورا معا عدة مرات .
وقد كانت غلطة عبد القادر حلمي الوحيدة والتي كلفته مستقبله بل وكادت أن تكلفه حياته هي أنه قد تلقى مكالمة تليفونية مع أحد أفراد فريق العمل في منزله في الوقت الذي كان فيه محمد مرسي في زيارة إعتياديةله ، ولم يكن عبد القادر حلمي يعرف أن مرسي كان قد تم تجنيده بواسطة ال إف بي أي للتجسس على زملائه من المصريين والعرب في مقابل تسهيلات دراسية ومادية سخية ..،وربما ما جعل عبد القادر يتخلى عن حذره ما كان يعرفه عن مرسي والذي لم يكن سوى مهندس قروي متدين يحرص على فروض ونوافل الصلاة ، وفي أحاديثه القليلة كان دائم التحدث عن التغني بمجد الإسلام وبالخلافة الإسلامية ويعلن دوما عن رفضه للحضارة الغربية ، كما أنه كان إنطوائيا لحد كبير ، لايخرج كثيرا من مسكنه ولا يقيم علاقات واسعة مع المحيطين به في مجال العمل أو السكن ، كما أن ملامحه الريفية الساذجة البلهاء كانت تثير التعاطف ،وربما الشفقة والسخرية ، كل هذه العوامل مجتمعة ربما جعلت عبد القادر يتخلى عن حذره قليلا ويستمر في المكالمة في حضور مرسي وإن تكلم بشكل مقتضب وغير واضح ،وفي هذه المكالمة تحدث عبد القادر حلمي لطرف مجهول بطريقة ملتوية وغامضة عن أشياء يجب شحنها بسرعة وفي سرية تامة ، وقد كانت هذه المكالمة كفيلة بإستثارة قرون الإستشعار عند مرسي ليخمن أن زميله هذا ربما كان يخفي وراءه شيئا هاما يستحق الإنتباه ، خاصة أن مرسي يعلم مكانة عبد القادر حلمي لدى الأمريكان بعد حصوله على التصريح الأمني من الدرجة تم التأكد منها والذي سبق الحديث عنه ( تتحدث روايات أخرى لم نستطع التأكد من صحتها عن أن مرسي بحكم الزمالة قد أستطاع سرقة بعض الرسائل والوثائق والمستندات من مكتب د/ عبد القادر وسلمها للأجهزة الأمنية الأمريكية والتي أكتشفت أنها على درجة عالية من السرية وبالغة الأهمية ، كما أن مراسلاته للخارج كانت مشفرة بطريقة محترفة وموجهة لعنوان في أحدى دول غرب أوروبا ثبت بعد ذلك أنه مجرد واجهة لمكتب تابع للمخابرات العامة المصرية ) .
وعلى الفور انتقلت تلك المعلومات لضباط جهاز الأستخبارات الأمريكية سي أي إيه والذين صدموا في أول الأمر نظرا لثقتهم الشديدة في عبد القادر حلمي والذي لم يكن حتى هذه اللحظة محل أي شكوك من أجهزةالأمن الأمريكية ، لكن بالطبع وطبقا لما هو معروف عن سلوك أجهزة الإستخبارات على مستوى العالم ، لا يوجد أي إنسان فوق مستوى الشك ، ولذلك فقد فتحت المخابرات الامريكية وFBI تحقيقا وتحريا فيدرالياً موسعاً عنه في سكرامنتو فبراير 1988 ، و بدأت على الفور خطة لمراقبة المهندس عبد القادر ووضع كافة تحركاته واتصالاته تحت المراقبة الغير محسوسة ، وهنا رصدت المخابرات الأمريكية مكالمة هاتفية أخرى تتحدث عن مواد لايمكن شحنها دون رقابة !! هذه المكالمة كانت صادرة من دكتور عبد القادر حلمي لحسام خيرت!!..(ذكرت روايات أخرى أن العملية تم اكتشافها بالصدفة وألقي القبض على أحد أفراد الفريق أثناء تحميل الطائرة، بينما ذكرت روايات أخرى أن المخابرات الأمريكية رصدت مكالمات هاتفية بين أفراد الفريق المصرى قيل أن إحداها صدرت من مكتب المشير أبو غزالة دارت حول تأكيده على شحن المادة السرية بأى ثمن) .
وبإستمرار عمليات التحري والمراقبة ، رصدت المخابرات الأمريكية في 19 مارس 1988 قيام دبلوماسي مصري يدعي محمد فؤاد بالطيران الي واشنطن حيث ألتقى الدكتور عبد القادرحلمي وقاما بشحن صندوقين سعتهما 420 رطلا من الكربون الأسود الخام عبر سيارة دبلوماسية تابعة للسفارة المصرية بقيادة عقيد يدعي محمد عبد الله وتحت إشراف اللواء عبد الرحيم الجوهري لنقلها الي طائرة عسكرية مصرية من طراز سي 130 موجودة في مطار بولاية مريلاند في 23 من مارس 1988 ، وقد تكررت هذه العملية في 25يونيو في نفس العام .
بعد أن فاحت الرائحة وأصبح لايمكن احتمالها خاصة مع تردد اللواء حسام خيرت في رحلات مكوكية علي الولايات المتحدة واختفاءه تماما عن المراقبة لعدة أيام قبل عودته مع مهارته العالية في التمويه ، خصوصا مع رصد مكالمة هاتفية أخرى يقال أنها صادرة من مكتب المشير أبوغزالة لحسام خيرت تطالبه بشحن المواد المتفق عليها دون ابطاء مهما كان الثمن وتأمين الرجال ، لذلك قامت الأجهزة الأمنية الأمريكية بالتحرك فورا بعد إستشارة وإستئذان البيت الأبيض وقامت بالقاء القبض علي الجميع في أرض المطار وتم إلقاء القبض على الدكتور عبد القادر حلمى متلبسًا بمحاولة تهريب سبائك الكربون الخاصة بتغليف الصواريخ الباليستية المتطورة عام 1989 لحساب القوات المسلحة المصرية ،بينما نجحت المخابرات المصرية في تهريب اللواء عبد الرحيم الجوهري بعملية معقدة إلى خارج الحدود وتمسكت الخارجية المصرية بإخلاء سبيل كل من الدبلوماسي محمد فؤادوالعقيد محمد عبد الله باعتبارهما من طاقم السفارة وتم ترحيلهما بالفعل الي خارجالولايات المتحدة .
أما المهندس عبد القادر حلمي فقد ألقي القبض عليه هو وجيمس هوفمان وحوكم ووجهت له 12 تهمة منها : غسل الأموال وإنتهاك قانون الذخائر والاسلحة وتصدير مواد محظورة شملت هوائيات عالية الموجة للاستخدام العسكري ومطاط وكربون معالج للصواريخ وأنظمة توجية وصاج معالج لبناء الصواريخ ووثائق ومخططات سرية محظور تداولها ، وصدر حكم عليه بالسجن المشدد 25 عاما وتم القبض علي زوجته ، كما تم ضم أبناءه إلى أسرة أمريكية للرعاية وتمت مصادرة أوراقه وأبحاثه وممتلكاته وكافة حساباته المصرفية … ولايزال المهندس عبد القادر حلمي قيد الاقامةالجبرية في الولايات المتحدة ، ومصيره هو وأسرته مايزال مجهولا حتى الآن .
وقد حاولت السلطات المصرية التدخل والضغط من أجل إخلاء سبيل عبد القادر حلمي إلا أن السلطات الامريكية واجهت السلطات المصرية بكافة التسجيلات وإتهمت السفارة المصرية بالقيام بأنشطة استخباراتية معادية علي الأراضي الأمريكية واستخدام سياراتها وموظفيها في أعمال إجرامية تخالف القانون بالإضافة لغسل الأموال وتهريب مشتبه بهم خارج الحدود .
ولم تنته فصول القصة عند هذا الحد ، فقد أشعلت هذه العملية حمى الإنتقام الأمريكية ، ولذلك فقد قررت السي أي إيه – والتي شعرت بالصفعة والإهانة البالغة كون ما حدث قد تم داخل الأراضي الأمريكية – إجراء عمليات إنتقامية واسعة تشمل كل من شارك في هذه العملية من ضباط المخابرات المصرية ،لتلقين المخابرات المصرية درسا لاتنساه حتى لا تفكر مرة أخرى في القيام بعمليات مثل هذه العملية مرة أخرى ، ولذلك فقد شنت السي أي إيه مدعومة بفرق أرضية للإغتيالات ،من وحدة كيدون بالموساد الإسرائيلي حملة شعواء في كافة الأراضي الأمريكية لتتبع اللواء حسام الدين خيرالله وتصفيته لكن المخابرات المصرية نجحت في إنقاذه في اللحظة الأخيرة وقامت بعملية تعمية و تغطية بأن قامت بإحراق منزله وإلقاء عدد من الجثث فيه ليظهر أنه قد قتل في حريق وتم نقله وأسرته إلى القاهرة بعيدا عن أعينهم (لاحقا أكتشفت المخابرات الأمريكية بعد سقوط بغدادأنه مازال على قيد الحياة وهو ما جعل كوندليزا رايس تضغط علي مصر لتسليمه إلا أن هذا لم يحدث بالطبع ، ودارت قصة أخرى أسقطت الجنرال داني أبو زيد قائد القوات الأمريكية في العراق من القيادة ومن العسكريةكلها لاتزال تفاصيلها سرية لم يفصح عنها ولايزال اللواء حسام خيرالله علي قيدالحياة حتى الآن ).
أيضا كان من تداعيات تلك القصة ما تعرض له الملحق التجاري المصري في سويسرا علاء نظمي من إغتيال في جراج منزله وقيام مجهولون بالإستيلاء على حقيبة مستنداته السرية في 1995 ، كما تعرضت السفيرة المصرية في النمسا لمحاولة إغتيال حطمت وجهها باستخدام قنبله مزروعة في هاتفها المنزلي … وقد حاولت الأجهزة الأمنية المصرية الرد على هذه الأعمال الإنتقامية عملا بمبدأ الدم بالدم قبل أن يتم عقد هدنة في 2002 منعا لإنفجار فضيحة دولية رتبتها مصر لأربعة من أرفع قادة الجيش الأمريكي
بقى أن نعرف أن هذه العملية قد تسببت فى إقالة المشير عبد الحليم أبو غزالة بعد أن اعتبره الأمريكان الأب الروحي والمسئول الأساسي عن هذه العملية والتي تمت بدون علم مبارك نفسه ، وذلك بعد زيارة الرئيس السابق مبارك الى واشنطن وقتها ولقائه بالرئيس بوش الأب الذى سأله عن “أبو غزالة”فرد مبارك مُدارياً: ( إنه رجلكم ) فيعلق بوش قائلاً : ( لا .. إنه ليس رجلنا ، ومن الأفضل أن يترك منصبه فى أسرع وقت) حيث أطلعه بوش وقتها على تفاصيل العملية ،وبالفعل بعد عودة مبارك من الولايات المتحدة قام على الفور بإصدار قرار بخروج المشير أبو غزالة من الخدمة وتعيينه فى منصب غير دستورى مستحدث كمساعد لرئيس الجمهورية
إلا أن اللافت للنظر أن المشير ابو غزالة ظل رجلا حتي آخر لحظة في تمسكه برجاله وحمايتهم ،ففور علمه بإنكشاف العملية كان حريصا على خروج رجاله من الولايات المتحدة بأي شكل وبأي ثمن بل أنه عندما تيقن من أن مصيره هو شخصيا سيكون التصفية أو على الأقل الإقالة من منصبه ،فقد سارع بالسفر إلى العراق لإنهاء آخر مهمة له كوزير دفاع ، وقام بتدمير أي مستند يشير إلى شحن أي مكونات تتعلق بمشروع الكوندور مع الحكومة العراقية ، وكما توقع ،فقد عاد ليجد قرار إقالته من منصبه جاهزا .
على الجانب الآخر لم تغفر الولايات المتحدة للأرجنتين انضمامها لمشروع الكوندور فقامت بإسقاط حكم الرئيس كارلوس منعم وحاصرته بالفضائح حتي رضخ وزير الدفاع الأرجنتينيفي 1993 ووقع وثيقة انضمام بلاده إلى معاهدة حظر الإنتشار الصاروخي !!..كما شنت الولايات المتحدة حربها الشرسةعلي العراق ، والتي أدت إلى انهيار النظام وتفكيكه بحثا عن ما تبقي من برنامج التسليح الذي تم بالتعاون مع مصر !!.. هذه هى الحقيقة التى لاينكرها أحد و ليست كما أشيع وقتها عن إمتلاكه لأسلحة نووية، ولكن للقضاء على المشروع من جذوره، ذلك المشروع الرهيب الذى وصفته “رايس” مرتعدة : ( إن برنامج الكوندور الذي تم رصد ما تبقي من وثائقه في العراق هو كارثة كبرى ، ولو أنه كان قد اكتمل فإن بقية أنظمةالصواريخ تبدو بجواره مجرد ألعاب أطفال ) …بينما اكتفت الولايات المتحدة تجاه مصر بالإطاحة بالمشير أبو غزالة دون أن تتدخل لإسقاط النظام المصرى وقتها على غرار الرئيس الأرجنتينى أو لتفتيت الدولة المصرية كما حدث فى العراق، ربما، حسب رأيي المتواضع، إما لإدخاره لدور أكثر أهمية لا يمكن لغيره القيام به، أعنى دوره فيما سمى بحرب تحرير الكويت، وإما بسبب الضغط الذى مارسته مصر على الولايات المتحدة، بمساعدتها الكبيرة لكوريا الشمالية فى برنامجها الخاص بتطوير صواريخ “ســكـــود”،الذى دفع نجاحه بالولايات المتحدة للسعى الى عقد الهدنة مع الدولة الكوريةالشمالية .
وحتي الأن لم يتيقن أحد ما إذا كانت مصر قد أكملت هذا المشروع منفردة فعلا أم لا ، وإن كان الأرجح أنه قد توقف تماما خاصة بعد خروج مؤسسه وراعيه الأول المشير أبو غزالة من الخدمة ثم من الحياة كلها..
إن الأمر المؤكد أن مرسى العياط –ذلك الوضيع ذو السمت الأبله – ربما يكون قد غيّر تاريخ العالم بخيانته لصديقه عالم الصواريخ المصري الدكتور عبد القادر حلمي وإجهاضه لأكبر عملية تطوير أسلحة فى تاريخ مصر الحديث.
والمؤكد أيضا بعد هذا كله أن الدكتور عبدالقادر حلمي ظل بطلاً مصرياً مجهولاً قاسى الأهوال فى السجون الأمريكية ، فى حين جلس يوما من خانه على كرسي الحكم فى مصر….!!!